بسم الله الرحمن الرحيم
((الصحابة ميزان أهل السنة والجماعة))
الصحابة أولاً: هم تلك الكوكبة المنيرة، والأقمار المضيئة، والنفوس الزاكية، والقلوب الطاهرة، والهمم العالية، والإرادة الصادقة، من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - الذين شهدوا الوحي والتنزيل، وصاحبوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأرواحهم وأنفسهم، وآمنوا به وصدقوا رسالته، وصبروا معه على الأذى والكيد في سبيل إعلاء كلمة الله تعالى، وجاهدوا معه بكل مقومات الجهاد، من جهاد بالكلمة والبيان، وجهاد بالسيف والسنان، وجهاد بالأموال والأنفس.
إنهم الذين عاينت أعينهم خير المرسلين، وصحبت أنفاسهم أنفاسه، وكلماتهم كلماته، وآثارهم آثاره، وخطواتهم خطواته رضي الله عنهم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، حتى نزل فيهم قول الله تعالى: ﴿ وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة:100].
إنهم المبلغون عن الله ورسوله ما جاء من شريعة الإسلام، ومن ثم فإن فهمهم لنصوص الوحيين الكتاب والسنة مقدم على فهم غيرهم، وعلمهم بالكتاب والسنة وتأويلهم مقدم على علم غيرهم وتأويلهم، لأنهم أول من تلقوا الوحي، وشهدوا التنزيل، ولأنهم كانوا ولا ريب أحرص الناس على التلقي من ذلك المورد العذب، فقد آتاهم الله تعالى حفظاً وفهماً، ودعا لهم النبي - صلى الله عليه وسلم.
وكانوا لا يأخذون العلم إلا تصديقاً وعملاً بعد أن يثبت لهم ويأتيهم الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بل وكانوا يشددون على اتباع السنن، واقتفاء الأثر، ولزوم السكوت عما سكت عنه الله ورسوله.
والمخالفون لمنهجهم وطريقهم ولا ريب واقعون في الفتنة، مستشرفون لها كما قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾ [النساء:115]، فدلت الآية على وجوب متابعة سبيل المؤمنين والحذر من الوقوع في الوعيد لمخالفة هذا السبيل الذي سلكوه، وكما ذكرت كتب اللغة والتفسير أن السبيل هو الطريق، وأن أول المؤمنين الذين سلكوا طريق الإيمان والمتابعة لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - هم الصحابة رضي الله عنهم.
فهم أول من عرف الإيمان والتسليم وكذلك السمع والطاعة وكذلك أيضاً الاتباع للأثر، ولهذا جعلهم النبي - صلى الله عليه وسلم - الميزان الحق حين وقوع الفتن والافتراق في أمته كما جاء في الحديث المحفوظ المشهور حديث الافتراق الذي وقعت فيه الأمم، والذي يقول فيه النبي - صلى الله عليه وسلم -: "افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة" قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: "من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي". وفي بعض الروايات: "هي الجماعة" رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، والحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم. وقال عنه ابن تيمية: هو حديث صحيح مشهور، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة. وعلى هذا فالحديث صحيح.
فهذا من معجزات النبي - صلى الله عليه وسلم - من كونه أخبر بما سبق ووقع في الأمم التي تفرقت في دينها، وبما سيقع أيضاً في أمته، فالحديث خبر في سنن الله تعالى القدرية والكونية التي تصيب الأمم بسبب المخالفات التي تقع منهم لمنهج الله ورسله عليهم السلام كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ ﴾ [الأنعام:159].
وليس كما يقع في بعض الأفهام القاصرة عن إدراك المعنى المراد منه، فتظن أن المراد الرضى بهذا التفرق، وأنه لا مناص منه وأنه لا داعي لرفعه وإزالته لأنه داخل في باب السنن الربانية، ولا شك أن الفهم بهذا نوع من الانحراف في فهم دلالة هذا النص وغيره من نصوص الكتاب والسنة.
• • •
الصحابة ميزان أهل السنة والجماعة.. لماذا..؟.
فالصحابة اليوم بعد هذا التاريخ الطويل في مسيرة دعوة الإسلام، وبعد هذا التفرق الذي وقع اليوم بسبب الانحراف عن الفهم الصحيح للأدلة القرآنية والنبوية، أقول صار الصحابة هم الفيصل الحق، والميزان الصحيح لتقويم مسيرة دعوة الإسلام الطويلة والجليلة طيلة هذه القرون، لماذا؟.
أولاً: لأن كل الفرق المنسوبة للإسلام اليوم تحتج علينا بالكتاب والسنة، فإذا أردت تأصيل منهج أو رد بدعة أو مخالفة ليس لها من الأدلة والنصوص ما يشهد لها أو يثبت شرعيتها، وجدنا هنا أصحابها يوردون لنا من الأدلة وعمومياتها ما يثبت صحة طريقتهم ومنهجهم في الدعوة إلى الله تعالى، أو يثبت صحة مذهبهم ومعتقداتهم التي يريدون لها أتباعاً وأنصاراً.
فالشيعة مثلاً يحتجون لصحة لمذهبهم وطريقتهم بأدلة من الوحيين، ولم يقفوا عند هذا بل قام أناس منهم بالتدليس، والوضع لكثير م